إشكالية تدبير خطر الفياضانات داخل المدارات الحضرية بالمغرب
إعداد: سميرة البوشاوني- ميلود بوعمامة
خلفت الفيضانات الطوفانية التي اجتاحت مناطق الصحراء وسوس والجنوب
الشرقي للبلاد، عددا كبيرا من المنكوبين ولازالت العديد من الأسر المكلومة
تلملم جراحها إثر هذه الكارثة الطبيعية التي راح ضحيتها العديد من
المواطنين، ولازالت نشرات الأخبار تتداول أرقام الضحايا ومعطيات المفقودين
وكذا عدد المنكوبين واستمرار حالة الهلع لدى المواطنين وإحصاء الدور
المنهارة والبنيات التحتية المدمرة، في الوقت الذي لازال الخطر قائما بحكم
توالي النشرات الجوية الإنذارية التي تشكل خوفا لدى الساكنة في عدد من
المناطق المغربية.
نحاول تسليط بعضا من الضوء على إشكالية تدبير خطر الفيضانات داخل
المدارات الحضرية بالمغرب، من خلال لقاء مع الباحث المغربي في مجال
الفيضانات الحضرية إدريس الحافيظ الذي حدد مفهوم الأخطار الطبيعية التي
تهدد المغرب وخاصة الفيضانات، أسباب حدوثها ومدى تأثيرها على البنيات
التحتية لشبكة الطرق والمياه والصرف الصحي وانقطاعات التيار الكهربائي
والتغطية الخاصة بالهاتف، وطرح الباحث في الأخير مجموعة من الاقتراحات
والحلول.
تدبير المخاطر الطبيعية من أهم القضايا
أصبح الحديث عن تدبير المخاطر الطبيعية عبر العالم من أهم القضايا التي
توليها الدول عناية كبيرة واهتماما بالغ الأهمية، نظرا لما تخلفه من
انعكاسات سلبية على اقتصاديات الدول المنكوبة، وخطر الفيضان يشكل إحدى
الإكراهات الصعبة التي تعرفها عملية التجبير الحضرية بالنظر إلى الانعكاسات
السلبية على المنشآت السكنية والبنيات التحتية، فضلا عن ما يتطلبه من
عمليات وقائية لحماية السكان وممتلكاتهم.
والمغرب بحكم موقعه الجغرافي ومناخه ذي الخصائص المتميزة خاصة التساقطات
الرعدية المركزة خلال الفصل المطير وخارجه، فهو مهدد بحدوث فيضانات فجائية
يكون لها وقع كبير على المنشآت السكنية والبنيات التحتية وتخلف أحيانا
ضحايا في الأرواح كالتي خلفتها الفيضانات القوية والشديدة الخطورة التي
شهدتها البلاد مؤخرا بمدن: كلميم، سيدي افني، وجهة سوس ماسة درعة، والمنطقة
الجنوبية الشرقية للمملكة، وفي وقت سابق ضربت الفيضانات مدن أخرى
كالمحمدية وبرشيد وسطات وبن حمد ووجدة وغيرها، ومواقع عديدة أخرى لم تدرج
في التصنيفات المعتمدة ما بين 321 موقعا مهددا بالفيضانات .
تشخيص عام لخطر الفيضان بالمغرب
أصبحت إشكالية تدبير خطر الفيضان خلال العقود الأخيرة تثير اهتمام
العديد من الباحثين والمهتمين وأصحاب القرار، نظرا للأضرار المادية
والبشرية الناتجة عنها، والتي تتطلب رصد ميزانية إضافية لمواجهة الأزمة،
وتعرض المغرب خلال العقود الماضية للعديد من حالات فيضان عنيفة كسهل الغرب
سنة 1963، بركان سنة 1994، تازة 2000، المحمدية والسطات 2002، ووجدة سنة
2008، وفي الأسبوعين الأخيرين أقاليمنا الصحراوية وجهة سوس ماسة درعة
والجنوب الشرقي للمملكة…
وعلى المستوى المجالي، فإن مصدر خطر الفيضان نوعان: النوع الأول يرتبط
بأحواض جبلية كبرى وبأودية دائمة الجريان، كما هو الحال بالأطلس المتوسط
والأطلس الكبير والريف وحوض ملوية وحوض سبو وواد المالح بالمحمدية ومنطقة
الرشيدية، والفيضان بهذه الأحواض يحدث عندما يسجل الصبيب أرقاما قياسية
(واد المالح 120 متر مكعب في الثانية يوم 25/11/2002) بينما لا تسجل حالات
فيضان مع حجم الجريان العادي لأن جل هذه الوديان لازالت تحافظ على مساراتها
الطبيعية. أما النوع الثاني: الأحواض المجهرية التي لا تتعدى مساحتها 1000
هكتار ويرتبط أساسا بالأودية الجافة والشعب الصغيرة، ويشكل هذا النوع
الغالبية بحكم طبيعة مناخ المغرب المتميز بطول الفترة الجافة من ماي إلى
أكتوبر ونجد هذا النوع بمدن الدير وكذا بمدن وجدة وبركان ومقدمة الريف… وهو
ما يشكل خطرا داخل المدارات الحضرية.
ومن المناطق الأكثر تهديدا بخطر الفيضان داخل المدن، حسب ما جاء في بحث
الأستاذ ادريس الحافيظ، نجد المباني والمنشآت المحاذية للمجاري المائية
خاصة الجافة منها، الأحياء المنخفضة وتتجلى أساسا في المباني العشوائية
والقريبة من الوديان، الأحياء الناقصة التجهيز أو الغير مرتبطة بشبكة
التطهير أو تلك التي تعتمد على المطامير لتصريف المياه المستعملة، ثم سكن
الفيلات المتعامد مع حركة الجريان وخاصة التي تتوفر على المستويات التحت
أرضية la cave التي أصبحت عبارة عن حفر تنساب بداخلها المياه المطرية.
العوامل التي ينتج عنها الفيضان
تتحكم مجموعة من العوامل الطبيعية والبشرية في حدوث فيضانات متتالية
بجهات مختلفة من المغرب وبدرجات متفاوتة من حيث خطورتها والخسائر المادية
والبشرية الناجمة عنها، ويشكل العامل المناخي أحد الأسباب الرئيسية في حدوث
الفيضانات نظرا للموقع الجغرافي للمغرب الذي يشكل نقطة التقاء لكتل هوائية
مختلفة خاصة تلك المحملة بالرطوبة، فينتج عنها عدم استقرار جوي بل أحيانا
حدوث تساقطات رعدية مركزة في أقل من ساعة أو ساعتين تؤدي لحدوث فيضانات كما
حدث يوم 27 نونبر 2000 بتازة و10 نونبر 2001 بالشمال الشرقي.
ويساعد التراجع المستمر للمجالات الغابوية التي تحيط بالعديد من
المدارات الحضرية في تفعيل حركة الجريان وكذا تعزيز الحمولة الصلبة
والسائلة التي تؤدي لاختناق قنوات الصرف الصحي (حسب وزارة الفلاحة فحوالي
50 ألف هكتار تتعرض سنويا للتعرية). كما ساهم الطلب المتزايد على الوحدات
السكنية خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى تقليص المساحات الزراعية المحيطة
بالحواضر، وهو ما يعني أن معدل معامل النفاذية في تقلص مستمر بفعل اكتساح
قطاع التعمير مناطق ظلت إلى عهد قريب مجالات لزراعة الخضروات، هذه الوضعية
أدت لعرقلة حركة الجريان الحضري (écoulement urbain) وظهور نقط سوداء وسط
المدن وهوامشها وأصبح معدل معامل الجريان (coefficient d’écoulement) في
أغلب الحالات لا يتعدى 0,5.
هذا التطور على مستوى قطاع التعمير لم يواكبه تجهيز حضري فيما يتعلق
بالبنيات التحتية خاصة شبكة التطهير والمتميزة بهشاشتها وقدمها واختناق جزء
كبير منها، وأحيانا عدم قدرتها على استيعاب حجم الحمولة السائلة والصلبة
من المياه المطرية، كما أن الطرق الغير معبدة والأرصفة الغير مهيئة
والنفايات الصلبة في عالية المدن تعزز حجم الحمولة الصلبة فتؤدي لاختناق
قنوات التصريف، مما يفرض القيام بصيانة دائمة للشبكة، ويلاحظ أيضا اعتماد
نظام التصريف الأحادي (أي جمع المياه المطرية والمياه المستعملة المنزلية
والصناعية في شبكة واحدة) فحسب التصميم المديري للتطهير السائل فإن نسبة
الربط بالشبكة تصل إلى 70% بالمغرب وأغلبها أحادية وتمثل 68% من شبكة
التطهير والمنفصلة 16% والمزدوجة 16% وهناك مدن تعتمد نظام التصريف الفردي
(المطامير) كما كان الحال بالنسبة لمدينة السعيدية.
التهيئة الحضرية وتدبير خطر الفيضان
عرفت عمليات التدبير والتخطيط الحضري بعدد من المدن نوعا من العشوائية
خاصة في مجال تدبير قطاع التعمير من تشتت للأحياء السكنية وتفريخ العديد من
الوحدات السكنية العشوائية، والتي تنعدم فيها أحيانا التجهيزات التحتية
وضوابط ومعايير الجودة في البناء. كما أن العديد من تصاميم التهيئة
والتصاميم المديرية فتحت مجالات للتعمير في مناطق مهددة بخطر الفيضان،
فكثيرا ما تضع لجن التخطيط المعدلات السنوية للتساقطات في الحسبان دون
الاهتمام بالفترات الشاذة التي يبلغ فيها التركز المطري وحجم الصبيب أرقاما
قياسية، وذلك لوضع معايير الهندسة المناسبة لتلافي أخطار هذه النوبات حتى
ولو كانت تحدث نادرا على رأس كل عشر سنوات (période de retour).
قراءة في المخطط الوطني للوقاية من الفيضانات
بعد الفيضانات الكارثية التي عرفها المغرب وما نتج عنها من خسائر بشرية
ومادية، تمت المصادقة على المخطط الوطني للوقاية من الفيضانات سنة 2002،
وقد كشف هذا المخطط عن 391 موقعا مهددا بخطر الفيضان وحوالي 90 موقعا في
حالة حرجة تستدعي التدخل العاجل لحماية السكان وممتلكاتهم كمدن وجدة، بني
ملال، أكادير، تازة، بركان، فاس ومدن الدير بصفة عامة. وتقدر التكاليف
الإجمالية للمشروع في 25 مليار درهم، وانطلق إنجازه على مراحل ابتداء من
2005 إلى حدود 2017، ومن الخلاصات التي خرج بها المخطط أن 94% من الفيضانات
ناتجة عن تعمير غير منظم وأن 50% من الفيضانات هي نتيجة لسوء التحكم في
نظام الجريان لعدد من الأودية.
وكقراءة أولية في هذا المخطط، ومن خلال الدراسة الميدانية التي قام بها
الباحث ادريس الحافيظ لعدد من المواقع، أكد على أن التعمير العشوائي ليس
وحده من العوامل المساهمة في حدوث الفيضان بل حتى التعمير المنظم في عدد من
المدن المغربية أقيم في مناطق مهددة بخطر الفيضان في ظل غياب خرائط
جيوتقنية لتصنيف الأوساط (مهددة، أقل تهديدا، مستقرة) فبمدينة وجدة مثلا
تجزئتي القدس والنجد، اللتان أشرفتا عليهما على التوالي erac وahni، من
الأحياء الأكثر عرضة لخطر الفيضان بالمدينة.
المخطط لم يشر أيضا إلى الأودية والشعب الصغيرة والأحواض المجهرية التي
لا تتعدى مساحتها 1000 هكتار، وهي تشكل أكبر خطر على التجمعات السكنية
والبنيات التحتية، ذلك أنها لا تؤخذ بعين الاعتبار من طرف المهيئين فيتم
طمس معالم هذه الأودية الجافة والشعب الصغيرة وخاصة الأجزاء السفلى منها
فتنشط عند حدوث تساقطات مركزة وكما يقول المثل الفرنسي (le fleuve n’oublie
pas son lit).
حلول ومقترحات لتدبير خطر الفيضان بالمجالات الحضرية
إن إشكالية تدبير المخاطر الطبيعية المرتبطة بحالات الفيضان داخل
المدارات الحضرية، تعد من أهم القضايا الشائكة، كما تشكل ثقلا كبيرا على
مستوى التجهيز الحضري، وما يرتبط به من عمليات الصيانة والتتبع التقني
للظاهرة، وفي هذا الإطار يقترح الباحث في مجال الفيضانات الحضرية ادريس
الحافيظ، بعض الحلول لاحتواء الظاهرة أو على الأقل التخفيف من حدتها كـ:
· تنفيذ البرنامج الاستعجالي لمواجهة خطر الفيضان بالمناطق الأكثر
تهديدا بكل من: وجدة، بركان، تازة، أكادير، جهة الصحراء ومدن الأطلس
المتوسط والسطات والمحمدية..
· إحداث وكالة وطنية لتدبير الأخطار الطبيعية (فيضان، حرائق، زلازل،
براكين، انزلاقات كثلية وبالسفوح، أخطار بيئية..) كوسيلة ناجعة وأداة فاعلة
للتواصل مع مختلف المتدخلين والمعنيين سواء كانوا مسؤولين يتخذون القرار
أو مجتمع مدني، وتضم مختصين وباحثين في مجال الأخطار الطبيعية، وتعد هذه
الوكالة قناة أخبار وإشعار قبل حدوث الخطر لتطويقه أو الحد والتخفيف من
الأضرار الناجمة عنه وتكون هذه الوكالة على شاكلة مديرية الطوارئ بالدول
الأوربية.
· تعميم إحداث وكالات الأحواض المائية بكافة التراب الوطني، مع تفعيل
النصوص القانونية والتنظيمية لقانون الماء 10-95 وخاصة المواد (94- 95-
96-97) المتعلقة بالحد من الفيضان، ثم إحداث قانون يتعلق بتدبير الأخطار
الطبيعية.
· جعل الخريطة الجيوتقنية أهم وثيقة من ضمن وثائق التعمير بهدف تخطيط
حضري يحافظ على المسارات الطبيعية للمجاري المائية خاصة الأودية الجافة
والشعب الصغيرة انطلاقا من تفعيل مضامين قانون التعمير 25-90 المتعلق
بالتجزئات العقارية وخاصة المادة السابعة منه.
· استثمار التكنولوجيا الحديثة في مجال التنبؤات بحدوث الفيضان (صور
الأقمار الصناعية، وتقنية الاستشعار عن بعد) ثم تعميم استعمال أنظمة
الإنذار المبكر (système automatiques informations hydraulique) على جميع
الأودية المصنفة كنقط سوداء تهدد بشكل مستمر المجال الحضري كما هو الشأن
بالنسبة لواد المالح بالمحمدية.
· بناء سدود تلية على الأودية الجافة، وكذا بناء حواجز إسمنتية أو
بواسطة الأسلاك والحجارة (gabionnages) لكسر سرعة الجريان عند حدوث تساقطات
مطرية مركزة.
· هيكلة قطاع التطهير السائل بالمدارات الحضرية، خاصة تصريف المياه
المطرية وذلك باعتماد نظام التصريف المزدوج للاستفادة من المتجمعة وإعادة
استعمالها في سقي المساحات الخضراء.
· تكثيف عملية التشجير بالسفوح خاصة عالية مدن الدير (صفرو، الحاجب،
بركان، وجدة…) لحماية التربة وتثبيتها وكذا التقليل من حجم الحمولة الصلبة
والسائلة المنحدرة نحو المجالات الحضرية.